abatshe@w.cn مراقب عام
عدد الرسائل : 65 تاريخ التسجيل : 13/06/2008
| موضوع: عبده الريس (1) الثلاثاء يوليو 01, 2008 2:37 am | |
| ( بسم الله الرحمن الرحيم )
عبده الريس
انطلاقا من حقيقة أن تطور الأمم وتقدمها يعتمد بالدرجة الأولى على الذاكرة وليس على التغيير, تبزغ على الفور أهمية البحث التاريخي للقضايا والموضوعات التي تشكل نصابا كبيرا من ثقافتنا .
وإزاء هذا الوعي بهذه الحقيقة , كان توجها حصيفا من جانب أمانة المؤتمر أن يتناول المحور الرئيسي مسألة الموروث legacy لكي يتوزع جل المحاور الفرعية بين التاريخي وذلك الموروث .
ولا شك أن أدب الترجمة (1) يعد نشاطا معرفيا يحتل مرتبة متقدمة بين النشاطات المعرفية الأخرى . فعن طريقه تتواصل الأمم , وبواسطته تتزاوج الثقافات , وعبره يحدث الانتقال المعرفي والثقافي .
ورغم هذه الحقيقة التي لا يستطيع أحد أن يتنصل منها , إلا أن كم البحوث والدراسات التي تناولت هذا الموضوع لا يعكس بالمرة هذه الحقيقة . فقلما تطالعنا مثل هذه الدراسات على صفحات دورياتنا المتناثرة . وقلما يحتل الموضوع نفسه مساحة تليق به في وسائل الإعلام المتكاثرة . رغم الحاجة البالغة والبليغة إليه في ذلك الظرف التاريخي الحرج . ربما أكثر من الحاجة إلى أي نشاط معرفي آخر.
ولما كان البحث التاريخي أكبر من مجرد سرد للحركات والأحداث يقوم به مجموعة من البشر مما يجعله عرضة للانحراف بسبب الأهواء الشخصية والانتماءات الأيد ولجية , سوف أنأى بنفسي عن ذلك السرد التاريخي الصارم , وعما أتفق عليه تاريخيا . ولسوف أفترض أنني أمام مجموعة من المعطيات أطمح في التأليف بينها , وأحاول ربط البدايات بالنهايات والأسباب بالنتائج واستنطاق الإحصائيات حتى أنتهي إلى نتيجة ربما تختلف أو تتفق مع ما هو ثابت تاريخيا . غير أنها من المؤكد تستند إلى العقل والمنطق أكثر من استنادها إلى أي شيء آخر .
وعلى اعتبار أن ذلك كذلك , آثرت أن يكون عنوان هذه الورقة البحثية المتواضعة
" حول تاريخ حركة الترجمة " وليس " تاريخ حركة الترجمة " . وخلال الصفحات المسموح بها سوف أقسم بحثي تقسيما زمنيا على خلفية حركة الترجمة إلى قسمين رئيسين , الإرهاصات الأولى ثم بداية الزخم الفعلي , مستعرضا بعض الملاحظات الجزئية والدلالات داخل هاتين المرحلتين أنى تبين لي ذلك , خالصا إلى ملاحظات عامة أنهى بها هذه الورقة البحثية .
الإرهاصات الأولى / العصر الأموي
ثمة محاولات لا شك أكثر تبكيرا للولوج إلى عالم الترجمة ولاسيما في بداية الدولة الإسلامية , حيث كانت الحاجة لدعوة ملوك الأمم المختلفة إلى الإسلام بلغاتهم الخاصة التي يتحدثون بها . ولعل زيد بن ثابت الأنصاري الخزرجى أول مترجم في الإسلام . وورد في المصادر " انه كان يكتب إلى الملوك ويجيب بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم . وكان يترجم للنبي بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية . تعلم ذلك بالمدينة من أهل هذه الألسن " (2)
كما أن أقدم بردة في الإسلام يرجع تاريخها إلى سنة 22هجرية , وعليها نص باسم عمر بن العاص وبه ثلاثة أسطر باليونانية ومن تحته الترجمة بالعربية .(3)
إلا أن هذه المحاولات في واقع الأمر لا تعد إرهاصا حقيقيا إذ لم تسفر فيما بعد عن زخم في حركة الترجمة أو على الأقل امتدادا ما . ولكن المحاولات التي تعنينا هنا تلك التي ظهرت مع بداية الدولة الأموية , وتحديدا تلك التي قام بها حكيم آل مروان , الأمير خالد بن يزيد بن معاوية الذي تروى المصادر أنه أخفق في نيل الخلافة فانصرف إلى العلم . وكما يروى الجاحظ أنه " أول من أعطى الترجمة والفلاسفة وقرب أهل الحكمة ورؤساء كل صنعة " (4)
وحسب رواية صاحب الفهرست , فهو " أول من ترجم له كتب الطب والنجوم وكتب الكيمياء ......... وكان فاضلا وله همة ومحبة للعلوم . وخطرت بباله الصنعة فأمر بإحضار جماعة من فلاسفة اليونان ممن كان ينزل مدينة مصر وقد تفصح بالعربية , وأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اللسان اليوناني واللسان القبطي إلى العربية , وكان هذا أول نقل في الإسلام من لغة إلى لغة " (5)
كانت معظم الكتب التي ترجمت لخالد في الكيمياء لأنه كان يعتقد في إمكان تحويل المعادن إلى ذهب .
غير أن ثمة ملاحظة حول شخصية خالد بن يزيد . فقد كان يكنى بحكيم آل مروان , ثم انه أخفق في نيل الخلافة , وكان يؤمن بإمكان تحويل المعادن إلى ذهب . من الواضح أننا أمام شخص طوباوى حالم طامح , يطير فوق الأرض إلى الدرجة التي يتخيل عندها تحول المعادن إلى ذهب . فلا عجب أن يخفق مثل هؤلاء الأشخاص في مشاريع تتطلب حسابات واقعية دقيقة , أكثر ارتباطا بالأرض وبما هو واقع ( اقتناص الخلافة مثلا ) وفى نفس الوقت لا أرى فشله في نيل الخلافة مبررا لانصرافه إلى العلم والترجمة , بل إن طبيعة شخصيته التي جعلته ينصرف إلى العلم والكيمياء هي نفسها التي جعلته يمنى بالفشل في محاولته لنيل الخلافة .
على أيٍ , فإن أول كتاب ترجم كان " الكناش " ويعنى " الخلاصة الطبية " بالسريانية . احتوى هذا الكتاب على ثلاثين مقالة , وقد وضعه قس يدعى أهرن . عاش أهرن في الإسكندرية إبان عصر هرقل 610- 641 م . وقد وضع كتابا باليونانية في الأساس , ثم قام بنقله إلى السريانية . وعلى ما يبدو أن الكتاب ذاع صيته بين السريان فقام بنقله إلى العربية الطبيب البصري ماسرجويه وكان ذلك في عهد مروان بن الحكم 64 -65 هجرية . (6)
من ناحية أخرى يرى المستشرق الإيطالي نيللينو أنه في هذه الفترة نقل أول كتاب من اليونانية إلى العربية وهو كتاب " أحكام النجوم " المنسوب إلى هرمس الحكيم . (7) ويذكر صاحب "عيون الأنباء في طبقات الأطباء " أن " الخليفة عمر بن عبد العزيز أمر بنشر بنشر هذا الكتاب وقد وجده في خزائن الكتب بالشام ." (
ولابد أن نذكر أن الدواوين تم نقلها زمن الدولة الأموية , من اليونانية إلى العربية في سوريا إبان عهد الخليفة عبد الملك بن مروان . ومن الفارسية إلى العربية في العراق وما وراءه على يد الحجاج والى عبد الملك . ومن القبطية إلى العربية في مصر على يد عبد العزيز بن عبد الملك والى مصر . ومن النقلة الذين ذاع صيتهم فى هذه الحقبة جبلة بن سالم وكان ينقل من الفارسية إلى العربية .
ومن أشهر المترجمين يعقوب الرهاوى , الذي ترجم كثيرا من كتب الإلهيات اليونانية . (9)
وفى واقع الأمر , لم تأخذ الترجمة وضعها في هذا العصر . إذ كان الأمويون مشغولين بتوطيد أركان الدولة . فاستخدمت الترجمة , كما رأينا , تلبية لهذا الغرض . ولا عجب أن بنصب اهتمام هشام بن عبد الملك بن مروان , أول خلفاء بنى أمية ممن أولوا الترجمة اهتماما , على السياسة وفن تدبير الملك . فيذكر بن النديم أن سالما المكنى أبا العلاء , كاتب هشام بن عبد الملك , نقل له "رسائل أرسطاليس إلى الإسكندر " . (10) كما يذكر المسعودي أن كتاب " سياسات الفرس " وهو كتاب عظيم يحتوى على علوم كثيرة من علومهم وأخبار ملوكهم وأبنيتهم وسياساتهم , نقل لهشام بن عبد الملك من الفارسية إلى العربية . (11) ناهيك عن بعض المحاولات الفردية الأخرى التي انطلقت أيضا من وازع برجماتى بحت . غير أن ذلك برمته انطوى على أهمية كبرى . إذ وارب الباب للطارق الجديد الذي سوف يصبح زخما كاسحا يفتح الباب على مصراعيه مع أول شعاع لدى شروق شمس بنى العباس .
بداية الزخم الفعلي/ العصر العباسي
يروى بن أبى أصيبعة في " طبقات الأطباء " أن اهتمام المنصور , ثاني خلفاء بنى العباس بالترجمة يعود إلى عامل شخصي بحت . فالمنصور كان يعانى من مرض في معدته , فنصحه الأطباء باستقدام جورجس بن بختيشوع , الطبيب السريانى النسطورى , كبير أطباء جنديسابور , للإشراف على علاجه . فاستقدمه المنصور , فشفاه واستبقاه في بغداد ليقود حركة نشطة في تأليف وترجمة الكتب الطبية .
ويذهب بعض المؤرخين , من ناحية أخرى , أن اهتمام المأمون بالترجمة يرجع أحد أسبابه لما عرف في المصادر التاريخية بحلم المأمون . ويروى صاحب الفهرست ذلك قائلا : " ... أن المأمون رأى في منامه كأن رجلاً أبيض اللون ، مشرباً بالحمرة، واسع الجبهة، مقرون الحاجب، أجلح الرأس ، أشهل العينين ، حسن الشمائل ، جالسً على سريره . قال المأمون : وكأني بين يديه قد ملئت له هيبة ، فقلت من أنت ؟ قال : أنا أرسطاليس . فسررت به وقلت : أيها الحكيم، أسألك ؟ قال : سل . قلت : ما الحسن ؟ قال : ما حسن في العقل . قلت : ثم ماذا ؟ قال : ما حسن في الشرع . قلت : ثم ماذا ؟ قال : ما حسن عند الجمهور. قلت ثم ماذا ؟ قال : ثم لا ثم ! ... فكان هذا المنام من أوكد الأسباب في إخراج الكتب (12)
هنا ينتهي كلام ابن خلدون . غير أننا للوهلة الأولى يتضح أننا أمام حلم متقن إلى درجة التلفيق . إلا أنه مع هذا لا يخلو من دلالة سافرة . فالمأمون كان معتزلي الهوى . وواقع عقيدة المعتزلة يقدم العقل في الترتيب على الشرع والجمهور, ينطلقون في ذلك من فرضية أن حجة الشرع على قطعيتها لا تستقيم إلا بقوة العقل . وحسب تعبير الإمام القاسم الرسى , فإن حجة العقل أسبق من حجة الشرع , أو هي أصلها . فالشرع إنما بالعقل يعرف . (13)
على أىٍ , فمن الجائز بمكان التسليم بأن الصدفة كانت من وراء فتح الباب أمام حركة الترجمة والنقل . غير أنها أبدا وبطبيعة الحال لم تكن القوة الدافعة لهذه الحركة .
في كتاب Greek thought , Arabic literature يتناول المستعرب اليوناني ديمتري جوتاس Dimitri Gutas عملية النقل والترجمة التي حدثت في العصر العباسي وامتدت على مدار قرنين من الزمان بإشراف وتمويل النخبة الحاكمة , باعتبارها ظاهرة اجتماعية social phenomenon في المقام الأول , وباعتبارها عملية مدروسة ومنفذة بوعي . كذلك بصفتها حركة مرتبطة بدرجة كبيرة ببنية المجتمع | |
|